حب و تضحية // بقلم المهندسة مهى سروجي
⚘حب و تضحية ⚘
******************
كان يوماً شاقاً مر بحياة أبي ياسر و هو يتنقل بين البيوت في قريته المتربعة على سفوح أحد المنتجعات المندرجة تحت مسمى المناطق السياحية
إنه أبو ياسر بائع الحليب المتجول في قريته الوادعة رجل جاوز السبعين بقليل لا يزال ينهض من فراشه ببيته المتواضع ليشتري الحليب من أصحاب المزارع بعد أن يساعد العاملين بالمزرعة في حلب البقرات و وضع الطعام لهم و له بهذا العمل الدؤوب ما يقارب نصف القرن قام بتربية أبنائه الخمسة و أوصلهم إلى مراتب عالية فكان عنده الطبيب و المعلم و صاحب الشركة لكنهم للأسف كانوا بعيدين عن القرية منهم خارج البلاد و منهم في العاصمة و قد تناسوا تماما هذا العجوز و أمهم و ذلك لأنهم طلبوا منه ألا يشتغل و أنهم يكفونه مؤونة هذا العمل الشاق بهذه الحالة يتوجب عليه أن يهجر قريته ليجلس عند كل واحد منهم مدة عشرة أيام و بهذا يتنقل بينهم هم الثلاثة أما الرابع و الخامس فهما مغتربان في البلاد الأوربية
و الأبناء الخمسة تناسوا الأم و الأب حتى صاروا لا يرسلون لهم إلا القليل و بالأعياد فقط و الأسوأ أنهم كانوا
لا يذكرون كفاح أبيهم و لا صبر أمهم و لا عملهما الدؤوب الذي منه أتموا تعليمهم و بنوا أسراً و ثروة جيدة
حتى وصل بخلهم أن قطعوا أخبارهم عن العجوزين و كانت الأخبار تصل من بعض الرجال بالقرية ممن تكثر زياراتهم للعاصمة
لذلك بقي العجوز يعمل لتأمين مستلزماتهما هو و زوجته التي كانت بحاجة لدواء تتناوله على الدوام
و ذات يوم وصل خبر مرض أحد أبنائه فقد أصيب بفشل كلوي اضطره إلى مزاولة غسل كليتيه و شعر بإعياء و تعب فأخبره الطبيب عن ضرورة الحصول على متبرع بإحدى كليتيه و طبعا يلزمه تطابق في الأنسجة بينهما و ما إن وصل الخبر للأب العجوز حتى حزم حقيبته و أخذ زوجته و ذهبا متجهان للعاصمة بعد أن علما أن الابن متواجد بإحدى المستشفيات و عند وصولهما للمشفى سألا عن الطبيب و استفسرا منه عن حالة المريض ثم طلب الأب أن يقوم بإجراء فحص لأنسجته و تطابقها مع أنسجة الابن و فعلا و تحت إلحاح الأب قام الطبيب بإجراءاته و لكن شريطة ألا يخبر احدا ولكنه أخبر الإبن أنهم وجدوا متبرعا و بإمكانهم إجراء العملية ذلك لأن الفحوصات المخبرية للولد كلها جاهزة و شكر الولد ربه و تمت العملية بنجاح لكنه لم يتمكن من معرفة من هو المتبرع ؟
و تماثل للشفاء هو و أبوه و هما بمغادرة المشفى و للمصادفة التقيا عند الباب الرئيسي ليفاجئ الأب ابنه أنه هو من تبرع فانكب على يديه و جلس على ركبتيه ليقبل قدم والده و استدار إلى والدته فتناول يديها و قبلهما و قبل قدميها و غادر الجميع و من هذه اللحظة و الأبناء يبرون أمهم و أباهم الذي جسد أجمل حالات التضحية ليقدم جزءا من جسمه لابنه ينقذه من موت محتم غير آبه بكبر سنه و لسان حاله يقول :
أيامي بهذه الحياة باتت معدودة فما نفعي و أنا الأب إن لم أنقذ حياة ابني
و أمنحه حناني ليرجع إلى بيته و طفليه و زوجته .
و هكذا عرف الأبناء قدر أبيهم و أمهم .
لكم تحياتي و تقديري
@مهى سروجي
تعليقات
إرسال تعليق