قصتي مع البحر // بقلم المهندسة مهى سروجي

⚘قصتي مع البحر⚘
*******************
كان يوماً رهيباً حينما أمرني طبيبي الذي كان يعالجني إثر حادثة مريعة أودت بحياة إنسان جمعتني به أنبل قصة حب كان نتيجتها إعلان الخطوبة وسط فرح العائلتين و الأصدقاء و رحنا نعد الأيام التي تفصل بيننا و بين توثيق ارتباطنا رسمياً بزفاف سعيد لكنه القدر و ما كتبه الله حينما أودت بحياة أحب الناس إلى قلبي كان ذلك عندما ابتلعته أمواج البحر غدراً أرهقني و أمرضني فقدي له و قاطعت البحر من وقتها على خلفية مرض نفسي و لما استفحل خطر حقدي نصحتني صديقتي أن أزور الطبيب النفسي ليعالجني و فعلت و أخضعني لجلسات علاج و كلما وصلنا إلى يوم الحادثة تهيج روحي و تنقطع أنفاسي و لا أتمكن من الإستمرار فيمنحني فرصة تلو الفرصة و الحالة دائماً تتكرر كأني لا أريد ذكر تفاصيل الحادثة كأن عقلي الباطن يرفض تصديق ما حدث لذلك اهتدى الطبيب لمعالجتي أن أواجه مشكلتي وجهاً لوجه بالبداية رفضت خائفة من عواقب ما سيحدث لكنه طمأنني بأنه و عائلتي سيكونون معي يرقبون من بعيد و لن يتركوني وحيدة فقط أن أتجرأ لتحدث صدمة لقائي بالبحر عندها قد ينطلق لساني و يحكي ما حدث يوم الحادثة و أخيراً وافقت حتى أساعد الطبيب في موضوع علاجي ، و فعلاً رحت أمشي على شاطئ البحر أجر قدماي بخوف و هلع و كنت وحيدة و بدأت بالخطوات الأولى نظرت إلى البحر و مرت بذاكرتي صورة لقائي الأخير قبيل الحادثة كنا نسير و الاتفاق بيني و بين الطبيب أن أفتح الخط و أحدثه كما لو كنت أحدث خطيبي
قلت له : بعد يومين سنكون معاً إلى الأبد
و كنت أقفز سروراً كانت كفه تحتضن كفي و لكن لماذا ظهر القلق على محياه كان يحدثني عن منام لا كابوس رآه شجعته و طلبت منه أن يروي لي ما رأى قال :
( الآن أستعادت ذاكرتي نشاطها )
رأيتك في ثوب زفافك كنت أول الطريق و كنت آخرها و أنت تصرخين الى أين أنت ذاهب بينما أكمل ليبتلعني الضباب ثم بدا عليه الوجوم و فجأة قال : إذا حدث لي شيء مثلاً ابتلعني هذا البحر ماذا تفعلين بعدي ؟
أجبته دون تفكير : أطلب من البحر أن يبتلعنا معاً
و ضحكت حتى أخرجه من وجومه نظر إلى وجهي و راح يتأمله : آه كم أحببتك و أحببت طيبة قلبك لا عليك سأكون بخير لن يؤثر على شجاعتي أي كابوس
و سأثبت لك ذلك و أخرج من جيبه مبلغاً خذي و اشتري لنا وجبة خفيفة من بائع السمك في الجوار و ريثما تحضرين سأتمدد على الرمال بالقرب من البحر .
قلت له وقتها : و لكننا في الخريف و قد يضطرب الموج فجأة لا أنصحك بالتمدد قريباً اذهب معي ثم نعود لنجلس على الرمال و نأكل و لكن بعد ترك مسافة أمان بيننا و بين البحر
قال : لا لا أريد ان أنسى ذلك الكابوس و الشجاعة ستنسيني إياه هيا و لا تتمهلي فقد شارفت الشمس على المغيب و رضخت لمطلبه بل لنقل لمطلب القدر و ما إن غبت عن ناظره كنت رأيته قد تمدد على رمال الشاطئ و غطى وجهه خطر ببالي أن أرجع فأمنعه لكن هاتفاً هتف بي ان أكمل سيري و رحت و اشتريت وجبة خفيفة على عجالة من أمري و بعض الشراب المنعش و زجاجة ماء و رجعت ما إن وصلت حتى تهادى إلى سمعي أصوات مضطربة و كلمات التقتطها اذني شاب ابتلعه الموج رميت اللفافة و ركضت باتجاه جمهرة من الناس و بينهم رجال أمن الشواطئ و الكل يتحدث و لما اقتربت سألت أمين الشرطة ماذا جرى؟
شاب لا ندري هل الموج ابتلعه أم هو من رمى بنفسه في الماء كنا نراقب بالمنظار لنرى اذا كان هناك اي أمر ملفت للنظر كما جرت العادة و اذ بالموج يعلو و بهذا المكان المنعزل راينا رجلاً ممددا حسبناه قد فارق الحياة و علت الأمواج لتسحبه إلى وسط البحر و الآن رجال خفر السواحل في قاربهم رغم الخطورة يبحثون عن جثمانه و جثوت على ركبتي و صرت أحمل حفنات الرمل المبلل و أرميها و أخاطبها : قولي لي أين ذهب حبيبي و أكررها الى أن أجبروني على النهوض خوف مجيء عاصفة ثانية صرخت : دعوني أنا اريد اللحاق به
و أغمي علي ثم لما صحوت كنت بالمشفى و أمي بقربي حاولت ان أسألها كنت فقط أقول : أين أين و مكثت أياماً ثم خرجت و أنا أعاني من وجوم عميق لما زارتني صديقتي و جلست تقنعني بزيارتك و أن الحادثة قضاء و قدر و أجهشت بالبكاء قالت لي : اطلبي له الرحمة و يبقى الحي أبقى من الميت و بعد جهد أقنعتني حتى لا تتحول القصة لمرض نفسي و لا أعود أطيق زيارة البحر لا من قريب و لا من بعيد ثم انهرت و صرت أجهش بالبكاء أخبروني بعدها أن والدتي أرادت أن تهرع إلي منعها الطبيب : انتظري لم يكتمل العلاج بعد
و بعد بكاء دام ساعة نهضت و نظرت نحو البحر لأرى الشمس قد شارفت على المغيب قلت أخاطب البحر و هم يسمعون عبر الهاتف المحمول بكائي و عبر المناظير التي يراقبون بها
أيها البحر رغم أنك سرقت مني أحب الناس إلى قلبي أنا أكرهك و لكنك لا ذنب لك إنه قدري و قد آمنت به رغم حزني على فراقه سأكمل مشوار حياتي أطلب له الرحمة و سأسمي نفسي عروس البحر عريسها أبتلعته أمواج البحر لتبقيها كحبة رمل على شاطئ البحر ترقب الشمس وقت الغروب ثم عدت أدراجي إلى حيث أهلي لأرى وجه الطبيب متهللاً : قد شفيت طالما رويت تفاصيل ما حدث ترحمي عليه و سيعوضك الله خيرا .
#مهى سروجي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصة كورونا // بقلم المهندسة مهى سروجي

لحن حزين // بقلم المهندسة مهى سروجي

بالإبتسام تكرمي // المهندسة مهى سروجي