قصة صداقة // بقلم المهندسة مهى سروجي
⚘قصة صداقة⚘
***************
كنا معاً منذ صغرنا جارتان صغيرتان جمعت بينهما مقاعد الدراسة في مدرسة واحدة و استمرت طيلة سنوات الإبتدائية و الإعدادية ثم الثانوية و شاءت الأقدار أن أتم تعليمي في كلية الهندسة بفرع الميكانيكا بينما أتمت صديقتي دراستها بكلية العلوم الطبيعية .
و مع تفرقنا أيام الجامعة إلا أن صداقتنا استمرت بل زادت قوة و متانة عندما تعاهدنا يومها على المصارحة إثر حادثة جعلتنا نتقاسم ألا نخون بعضنا و لا ندع مجالاً لأي كائن أن يفرق بيننا .
و شاءت الأقدار أن تعرفت صديقتي على أستاذ تم نقله حديثاً إلى مدرستها و فعلاً جاءتني تخبرني بالإستلطاف الذي كان سيد الموقف في علاقتها بهذا الأستاذ و رحتُ أنصحها و هي تتقبل بانشراح صدرٍ أخبرتني أنه بالأصل من محافظة ثانية جاء و استقر هنا ، عند بادئ الأمر نقلوه للمدرسة و إزاء ظروفه و صعوبة تأمين السكن عن طريق الآجار قرر العودة إلى قريته حتى لو كابد مشقة السفر ليبيع قطعة الأرض و بثمنها يشتري بيتا و هو الآن يمتلك بيتاً ، و مشت أيام انشغلت بها بمشروع أخذ مني الوقت كله لما انهيته استغربت هذا الانقطاع من صديقتي فاتصلت بها لأطمئن عنها لاحظت في لهجتها بعض الجفاف لعلها منزعجة لعدم سؤالي حاولت أن أدعها تحكي اعتذرت و أنهت المكالمة .
و أيضاً مرت أيام لأراها تتصل تطلب مني زيارتها كانت مرحة جداً و ذهبت بالموعد وإذ بلسانها ينطلق قد حددنا موعداً للزفاف و ناولتني بطاقة الدعوة ثم غابت لتعود لابسة ثوب زفافها و هي تمشي بخيلاء و الفرح يطير من عينيها أسعدتني أخبارها و قضينا معاً وقتاً ممتعاً ، و باليوم المقرر للحفلة ذهبت صباحاً إلى عملي على أن أقدم إجازة ساعتين و أنصرف لأرجع للبيت أتناول غدائي و أرتاح قليلاً ثم أذهب إلى مصففة الشعر لتعمل لي تسريحة مناسبة و بعد أن أرتب أموري أذهب لأكون جانب صديقتي في فرحها
و بينما كنتُ أكتب طلب الإجازة و إذ بأحد الزملاء من قسم آخر حضر و راح يتحدث مع صديقه و بسياق الكلام ذكر اسم خطيب صديقتي و أنه متزوج و لديه ثلاثة من الأولاد و مع ذلك سيتزوج من انسانة يقول أنه تعرف بها و أجابه صديقه : و ماذا في هذا اذا كانت الأطراف موافقة ما دخلنا نحن
فيجيبه : هو استغل صعوبة الوصول إلى قريته للسؤال عنه و هنا غير معروف تماماً إلا من خلال عمله و ما يعرفونه عنه لا يتعدى سوى أنه لا يتدخل في أي شيء يعني أنه مسالم تماماً و هذه الصفة لصالحه .
يرد عليه صديقه : و لكن هناك من يعرفه و الأهم من هذا ما هي مصلحته في كل هذا الموضوع أهو الابتزاز مثلاً
يقول : لا هناك مصلحة له عند أبيها بسبب مركزه الحساس لمجرد الحصول عليها سينهي علاقته بها
يقول الصديق : أنسيت أنه عقد زواج فهو ملزم أن يدفع مؤخر الصداق و نفقة و ما يتبعه و طالما أن أبيها له نفوذ فلن يتركه يمشي دون عقاب
يجيب : هو فعل هذا مرة و بدل أن يدفع لهم راحوا يدفعون له كي يعطيها حريتها يسلام يكون قد حقق ما يريد من الفتاة أو أهلها.
و انتهى حديثهما فانصرفت متجهة إلى بيتي و كان الموضوع يشغلني لا أدري إن كان من نقل الحديث صادقاً أم مدعياً فإنه معروف عنه أنه يكذب كثيراً .
وصلت البيت و رحت أروي لأمي ما سمعته طالبة رأيها نصحتني طبعاً أن أخبر صديقتي بكل أمانة و أضع الأمر بين مسامعها و أكون بذلك قد أبرأت ذمتي لشدة تفكيري أخذني الوقت و نسيت موعد مصففة الشعر فعملت تسريحة بسيطة و ارتديت ملابسي و توجهت لبيت صديقتي و كان قريباً من بيتنا حتى بعد أن غيرنا بيتنا القديم استقبلتني والدتها و كانت صديقتي قد رجعت قبلي و هي تتأهب للحفلة توجهت لغرفتها كان معها العديدات من صديقاتها و قريباتها أردت الانفراد بها و لم أتمكن أخيراً قررت أن أخبر والدتها و يا ليتني لم أفعل بالبداية شعرت بالراحة كأن الجبل الجاثم على صدري قد انزاح و لكني بعدها شعرت بالريبة لم أجد أي تغير فقط إعراض صديقتي عني قلت بنفسي : فليكن أنا نقلت ما سمعت ، و أنا في حيرتي جاءني اتصال من أمي تطلب مني العودة فوراً لأمر ضروري
و فعلاً غادرت بعد أن استأذنت من والدة صديقتي التي لم تعرني اهتماماً
و تمت مراسيم الزواج و سمعت أن صديقتي غادرت مع زوجها لقضاء اسبوعي عسل بمزرعة والدها اتصلتُ بها طالبة مقابلتها للتهنئة فاعتذرت و ادعت انشغالها و بعد شهرين بالتمام و إذ بأمها تتصل بي تريد مقابلتي في بيتي و رجتني ثم حددت الموعد كان صوتها حزيناً فكرتُ ملياً ، بل و حاولت ربط الأحداث ببعضها كانت دائماً تنقطع عند شخصية الزوج و دائماً كانت هناك حلقة مفقودة تتعلق بزوج صديقتي الذي لم يسبق و تعرفت به والعجيب أنه قد تقدم لخطبتي رجل عن طريق أهله لأنه مسافر و كان شقيق الموظف الذي نقل الخبر و يحمل نفس الاسم وقتها أحسستُ بعلاقة وثيقة لهذا الطلب بموضوع صديقتي و لكن من أي ناحية لم أتوصل لطريقة الربط .
كتبت له وقتها عن صديقتي لكنه كتب لي : أنه يعرفه لكنه من غير قرية و ذكرني بحديث أخيه كان يريد أن يصلها الخبر قبل أن تقع الفأس بالرأس و أنه متزوج و عنده أولاد أما أنا فارتبطت بإنسانة ثم انفصلت عنها و ليس عندي أولاد .
حضرت والدة صديقتي و بدأت تحادثني و هي ترتشف فنجان قهوتها :
تعرفين كيف تعرف على ابنتي و كيف وصل لقلبها فهي كما تعلمين عاطفية و تجذبها الكلمة الطيبة كان ودوداً جداً جذاباً و مرة حضر إلينا و كنتِ قبل قليل عندنا و راحت تحدثه عنكِ و أين تعملين و هو يسمع و يهز رأسه بعد أيامٍ صار يشككها بكِ ربما أنها غير مخلصة لكِ و اتفق معها أن يرسل لها شخصاً من طرفه و سمى لها موظفاً يعمل بنفس المديرية و كان نص الإتفاق أن يوصل حديثاً أنه طامع بمركز أبيها و إلى آخر الحديث و يكون هذا صبيحة يوم الزفاف لنرى كيف ستتصرفين فكان الأولى أن تحدثي صديقتك و ليس أمها ثم لا تغادري الحفلة قبل أن تبدأ و لكنك أخبرتيني أنا ثم غادرت قبل أن ننتقل إلى صالة العرس فكان أن صدقت ابنتي كلامه و كان له اسلوب قوي بالتأثير عليها كأنه سحرها فقررت قطع علاقتها بك لما عادت اعتذرت أن تستقبلك ثم بدأ يقنعها بنفس الاسلوب أن يسافرا إلى بلد أوربي سماه لها و لكن على والدها أن يساعده بإتمام مصلحة له و تحت رجائها و توسلها وافق الوالد و رتب له الأمور بحيث تمكن من تهريب كل أمواله بشكل قانوني و بدأ يوهمها أن يسافر قبلها ليرتب لها الأمور و طبعاً صدقته و سافر ثم ارسل رسالته الأخيرة يخبرها أنه تركها للأبد و أن كل ما قيل عنه كان صحيحاً و أنهى رسالته خير لكم أن تطلبوا الطلاق بعد تبرئتي تماماً من حقوق ابنتكم الموقرة و إلا فسأفضحها و أدعي أنها ليست شريفة و أفضح والدها الذي هرَّبَ أموالي كي يشتري سكوتي عن فضيحة ابنته و سيترك الخط بينهما مفتوحاً مدة اسبوع لتشاور أهلها و ترد عليه ، انهارت المسكينة كتبت له لكنك قلت أنك بعت أرضك و اشتريت منزلاً لنا هنا و أخذتني و رأيته و طبعاً كنتَ تدعي أنك ستنقل ملكيته لي و أنا حرة أن أقبل السكن فيه أو أسكن بالبيت الذي أعطاني إياه أبي فماذا عنه ؟
رد عليها :
قد كتبت بيني و بين صاحبي عقد شراء ابتدائي لبيته مقابل مبلغٍ فقط لتشاهديه و يزيد يقينك ثم نتلفه بهذا الوقت أكون قد رتبتُ أموري و سافرتُ و هذا ما حصل و القرار لكِ إما الفضيحة و أن يخسر والدك منصبه و يلاحق بتهمة خيانة العمل الوظيفي أو الطلاق و التبرئة
و قرأت لنا الرسائل ، حزن والدها لأنه لم يكن يوماً خائناً أو مفرطاً بعمله و منصبه إنما كان مثال الرجل الشريف و لا يدري كيف وقع في براثن ذلك المأفون كان هذا بضغط من ابنته أخيراً رضخ و طلب منها أن ترفع دعوة للتفريق و تخبره بذلك و فعلاً تم الطلاق و السبب أنه هجرها بعد أن قضى معها أياماً تحت مسمى الحلال ثم سافر و ارسل لها عبر الواتساب أنه أنهى كل شيء و هو لا يريد طلاقها سيتركها كالوقف و أظهرت للقاضي الرسالة و اقتنع القاضي لكنها شرعاً عليها التنازل عن كل حقوقها وافقت و تم الأمر و هي الآن منهارة بعد أن خسرت كل شيء و أهم خسارة لها أنها افتقدتكِ أنتِ صديقتها التي تثق بها .
كان هذا ما قالته لي أمها لا أدري برد فعلٍ أو بإلهامٍ سيطر علي قلت لها : هل لديك صورة له ، ردت علي : حالياً لا و لكن لماذا ؟ ابنتي مزقت كل صور الحفلة و أحرقتها آه انتظري بهاتفي يوجد صورة له و أخرجت جهاز الهاتف النقال و راحت تبحث و أخرجتها من مكمنها أعطتني الهاتف لأراها ما إن رأيتها حتى قارنت بينها و بين صورة ذلك الذي تقدم لخطبتي إنه نفس الشخص و الاسم نفسه وقتها قلت لأمي ذلك قالت أبناء القرى يأخذون اسمهم ثم اسم الأب او الجد فيمكن أن يحدث هذا التشابه و أعلمت أمها بهذا الأمر فقالت : لما بدأ يشككها بك ذكر لها أنه حضر الى مقر عملك و رآك و أخبرها أن سمعتك ليست جيدة و طلب منها قطع علاقتها بك و ليثبت هذا قام بهذه التمثيلية فإن أخبرتيها بما سمعت فتكونين قد خذلتيه يومها حضرت إحدى قريباته و كانت تعمل المستحيل كي تبعدك عنها ربما تذكرين هذا جيداً ، قلت لها : نعم ثم اتصل بأمي و طلب منها أن تتصل بي لأعود و ذكر لها أنه ستحدث فضيحة لا يريد لابنتك أن تتورط بها و فعلاً غادرت البيت و لم أذهب معكم لصالة الفرح ، قالت : لذلك صدقته المسكينة أما قلتُ لك اسلوب إقناعه رهيب .
و داهمتها دمعة حزن فما كان مني إلا أن أجيبها و أذهب معها لأكون بجانب صديقتي في محنتها طبعاً صداقة امتدت من طفولتنا إلى شبابنا لن تكون لعبة بيد أفَّاق مخادع و ذهبت معها و بعدها كتبت له رداً على رسالته التي يرسل فيها أشواقه : لك يوم يا ظالم و حظرت رقمه و عادت صداقتنا بأقوى مما كانت عليه .
#مهى سروجي
تعليقات
إرسال تعليق